لم نصدّهم عن تطاولاتهم المجرمة ، بل أملينا لهم (لِيَمْكُرُوا فِيها ..) و (أُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) (٦٨ : ٤٥) (كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً) (١٧ : ٢٠).
وذلك قضية حكمة الابتلاء الحكيمة ليتم الابتلاء بعظم البلاء ، وينفذ القدر المقدر ، وتتحقق الحكمة من دار الابتلاء ، فيمضي كلّ فيما هو ميسّر له دون أن يكون مسيّرا في خير أو شر.
فلأن شرعة الله تمحور القضاء على الأكابر المستكبرين ، لذلك فهم يقفون أكثر ممن سواهم موقف العداء من شرعة الله ، حيث تبدأ من نقطة تجريد هؤلاء من كبريائهم وعلوائهم.
فكما أن رسل الله هم أكابر العارفين بالله ، العابدين الله ، كذلك أعداءهم ـ في الأصل ـ هم أكابر الجاهلين بالله التاركين عبودية الله ، سنة جارية في كلّ قرية ، مستمرة حتى تقوم دولة الحق العالمية الكبرى بصاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف.
إنها معركة مصيرية محتومة بين كتلتي الإيمان والكفر ، قائمة على أساس القضاء بين القاعدة الأولى لشرعة الله ـ وهي حصر الحاكمية كلها لدين الله ـ وبين أطماع أكابر المجرمين في القرى : (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً) (١٧ : ١٦).
ذلك ، ولكنه لا خوف على أهل الإيمان من (أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها) إذ (وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ) ـ (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ).
أجل ، ولأنه ليس المؤمنون وحدهم يخوضون تلك المعارك المهالك ، فالله وليهم فيها وهو حسبهم حيث يرد على أكابر المجرمين كيدهم وميدهم