هي مراكز المعرفة كلّ تلو الأخرى مترتبة في تنقل المعرفة الحقة والباطلة ، وإنما يذكر القلب أكثر بكثير من زملائه لأنه قلب الروح ، والمركز الرئيسي النهائي لكلّ محاصيل الروح بجنوده ، فهو امام الأئمة في كيان الإنسان ، ف «القلوب أئمة العقول والعقول أئمة الأفكار والأفكار أئمة الحواس والحواس أئمة الأعضاء» وهنا (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ ..) تفريع بياني ل (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ).
وكما ينشرح الصدر ويلين لذكر الله وبذكر الله ، كذلك ـ وبأحرى ـ القلب : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ ..) (٣٩ : ٢٣).
وليس الشرح إلّا للمعقد الغامض إيمانا وكفرا حيث هما قدر القدرة الخلقية معقّدان ، فالله يشرح الإيمان فينشرح كما يريده ، ويشرح الكفر فينشرح جزاء وفاقا.
ثم إن هداية الله وإضلاله ليسا فوضى جزاف ، فإنما يحل كلّ محلّه جزاء وفاقا ، وفي الهدى زيادة قضية فضل الله (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ) «بإيمانه» (١) وهو المريد لهدى الله ، المتحرّي عنها ، المحاول في إسلامه
__________________
(١) نور الثقلين ١ : ٧٦٥ في عيون الأخبار بسند متصل عن حمدان بن سليمان النيسابوري قال : سألت أبا الحسن علي بن موسى الرضا (ع) عن قول الله عزّ وجلّ : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ ..) قال : من يرد الله أن يهديه بإيمانه في الدنيا الى جنته ودار كرامته في الآخرة يشرح صدره للتسليم لله والثقة به والسكون الى ما وعده من ثوابه حتى يطمئن اليه ومن يرد ان يضله عن جنته ودار كرامته في الآخرة لكفره به وعصيانه في الدين يجعل صدره ضيقا حرجا حتى يشك في كفره ويضطرب من اعتقاد قلبه حتى يصير كأنما يصعد في السماء (كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ).