ذلك وهي حالة نفسية تجسم في حالة حسية من ضيق النفس وكربة الصدر والرهق المضني من التصعد في السماء.
وهنا «في السماء» دون «إلى السماء» لمحة إلى أن الصعود إلى السماء منه ميسور كما نتصعد إليه نحن بالطائرات والصواريخ ، ففي السماء ـ خارجا عن فضاء التنفس والممكن الصعود إليه منها بحالة غير محرجة ـ فضاء لا يمكّن الصاعد إليه للتنفس أو التلبث والتريّث إلّا بصورة محرجة مخرجة للإنسان عن طوقه ، وهذا من الملاحم القرآنية : إمكانية الصعود في السّماء ، وصعوبته من حيث مضائق النفس وسواها.
وهكذا يكون مثل من (يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً) ليس له مجال للتصعد إلى سماء المعرفة بوحي وسواه ، حيث الفطرة منه مستورة والعقلية معقولة بطوع الهوى ، والصدر ضيق حرج والقلب مقلوب ، والفؤاد متفئد بنيران الشهوات والحيونات ، حيث الله «نكت في قلبه نكتة سوداء وسد مسامع قلبه ووكل به شيطانا يضله» (١) : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ. وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) (٤٣ : ٣٧).
وذلك رجس على تلك الصدور غير المؤمنة ، ف (كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) رجس لا محيد عنه على أية حال و (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) فالرجس يمثل لنا رينا وقذارة : (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٨٣ : ١٤) فكما أن القلوب ترين كذلك الصدور كلّ حسبها وبحساب تضيّقها.
__________________
(١) نور الثقلين ١ : ٧٦٥ عن أبي عبد الله (ع) ـ مضى صدره في شرح صدر المؤمن ـ وإذا أراد بعبد سوء نكت ... ثم تلا هذه الآية : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ ..)