اللهم الّا من غير الحيوان المحلل ، وأمّا الطير المحلل وما أشبه من غير بهيمة الأنعام فما له دمان فالمسفوح منه محرم ، وما له دم لا يسفح أو غير المسفوح منه فمحلّل ، فإن (دَماً مَسْفُوحاً) طليقة مهما كانت بهيمة الأنعام هي الأصل فيه ، فلو لم يكن للسفح دخل في حرمة الدم لكان لاغيا في موضوع التحريم ، ولسنا نستدل ـ فقط ـ على حل غير المسفوح من الدم بمفهوم الوصف ، فانما نقتصر على تحريم المسفوح بالنص ثم لا دليل على تحريم غيره ، وإن كان الاستدلال به صحيحا ، حيث الدم غير خارج عن مسفوح وغير مسفوح ، والمحور هو الذي له مسفوح وسواه ، فالحيوان الذي ليس له دم مسفوح ، أو الدم غير المسفوح من الذي له مسفوح وغير مسفوح ، دمه حلال ، ثم الدم من غير الحيوان أحرى بالحل ، فإنما الحيوان المحرم يحرم دمه بدليل حرمته كله.
وهنا (فَإِنَّهُ رِجْسٌ) قد يختص ب (لَحْمَ خِنزِيرٍ) ولكنه يصلح شمولا ل (مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) إلى (لَحْمَ خِنزِيرٍ) ولو كان القصد إلى خصوص (لَحْمَ خِنزِيرٍ) لكان صالح التعبير تقديم (لَحْمَ خِنزِيرٍ) ثم (فَإِنَّهُ رِجْسٌ) حتى يختص به ، وما تأخير (أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) إلّا لأنه يحمل مصداقين اثنين ثانيهما «ما ذكيتم» حيث فيه بقية الحياة ، فليس ـ إذا ـ رجسا بصورة طليقة مهما كان فسقا مات بذلك الإهلال أم لم يمت.
ذلك حكم العامد غير المضطر (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
وهنا «أضطر» في بناء المجهول تقيّد الحل بما كان الاضطرار دون إختيار ، فقد يضطر الإنسان بما يقدمه هو باختيار فلا غفران ولا رحمة عليه في أكله اضطراريا مهما وجب عليه حفاظا على الأهم ، ولكن الذي يضطر دونما إختيار منه ، وإنما أوقع في حالة الاضطرار دون أية محاولة (فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).