وترى كيف يصدق (أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا) والتوراة شرعة عالمية؟ ذلك تخيّل منهم وكثير هؤلاء الذين يعيشون هذا التخيل رغم نصوص القرآن بأمميته التوراة ، أو اعتذار أن محور الدعوة التوراتية هم طائفتان من قبلنا ، ولغتهم غير لغتنا ، ودعوتها ـ على أية حال ـ ما وصلت إلينا (وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ) كيفما كانت الغفلة ، تقصيرا من حملتها حيث لم يبلغوها إلينا أم بلغوها محرفة عن جهات أشراعها.
لا سيما (وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ) لهذا الكتاب «لغافلين» فقد درسوا الكتاب النازل عليهم صالحة أم طالحة ونحن عنها غافلون إذ لم تصل إلينا من دراستهم شيء إلّا إنذار رسالة بتحريفات وتجديفات ، فكيف نكلّف بكتاب ما وصلت إلينا دعوته إلّا محرفة مزورة لا تكفينا الآن حجة فضلا عن الغافلين ، وحتى لو كانت غفلتنا معمدة فنحن الآن حيارى إذ حرفوا الكتاب فلا يفيدنا ـ إذا ـ كما لا يفيدهم ، فلنذكّر بكتاب لا يحمل ما حملته التوراة من تحريفات وتجديفات : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (١٦ : ٤٤) (وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (١٦ : ٦٤).
ذلك ، وحتى لو كانت التوراة نازلة علينا كما لهم فواقع التحريف فيه يفرض تجديد الوحي مع جديد استمراره واستقراره واستقطابه كافة المكلفين إلى يوم الدين ، فهاتان حجتان اثنتان ، ثم ثالثة :
(أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللهِ وَصَدَفَ عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ) (١٥٧):
(وَأَقْسَمُوا بِاللهِ) لو لم ينزل عليكم القرآن (لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا