والغيب في الكون كله يحيط بالإنسان كله ، غيب في مثلث الزمان والمكان ، وغيب في نفسه وفي كيانه ، غيب في النشأة الأولى والأخرى والعوان بينهما ، وغيب في كلّ شيء مهما يشهد ظاهرا من الكون قليلا ضئيلا لو لا فضل الله ورحمته لحرم منه أيضا.
وما أجمله بعد جمال القرآن قول الامام علي (ع) التلميذ الثاني للقرآن في خطبة الأشباح في علمه تعالى وتقدس :» عالم السّر من ضمائر المضمرين ، ونجوى المتخافتين ، وخواطر رجم الظنون ، وعقد عزيمات اليقين ، ومسارق إيماض الجفون ، وما ضمنته أكنان القلوب وغيابات الغيوب ، وما اصغت لاستراقه مصائخ الأسماع ومصايف الذّر ، ومشاتي الهوامّ ، ورجع الحنين من الموليات ، وهمس الأقدام ، ومنفسح الثمرة من ولائج غلف الأكمام ، ومنقمع الوحوش من غيران الجبال وأوديتها ، ومختبإ البعوض بين سوق الأشجار وألحيتها ، ومفرز الأوراق من الأفنان ، ومحط الأمشاج من مسارب الأصلاب ، وناشئة الغيوم ومتلاحمها ، ودرور قطر السحاب في متراكمها ، وما تشفي الأعاصير بذيولها ، وتعنو الأمطار بسيولها ، وعوم بنات الأرض في كثبان الرمال ، ومستقر الأجنحة بذرى شناخيب الجبال ، وتغريد ذوات المنطق في دياجي الأوكار ، وما أوعبته الأصداف ، وحضت عليه أمواج البحار ، وما غشيته سدفة ليل أو ذرّ عليه شارق نهار ، وما اعتقبت عليه أطباق الدياجي وسبحات النور ، وأثر كلّ خطوة ، وحسّ كلّ حركة ، ورجع كلّ كلمة ، وتحريك كلّ شفة ، ومستقر كلّ نسمة ، ومثقال كلّ ذرة ، وهماهم كلّ نفس هامة ، وما عليها من ثمر شجرة ، أو ساقط ورقة ، أو قرارة نطفة ، أو نقاعة دم ومضغة ، أو ناشئة خلق وسلالة ، لم يلحقه في ذلك كلفة ، ولا اعترضته في حفظ ما ابتدع من خلقه عارضة ، ولا اعتورته في تنفيذ الأمور وتدابير المخلوقين ملالة ولا فترة ، بل نفذهم علمه ، وأحصاهم عدده ، ووسعهم عدله ، وغمرهم فضله ، مع تقصيرهم عن كنه ما هو أهله» (الخطبة ٨٩ / ٤ / ١٧٥).