(مَفاتِحُ الْغَيْبِ) جمع المفتح ، والمفتح بمجرده هو الخزينة.
ذلك ، وحتى الآيات الرسولية ليست مما يعلمهم إياها ف (إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ) اللهم إلّا التي هي رسالية مع كونها رسولية كالقرآن العظيم حيث علمه رسوله الكريم ، علم الوحي مادة وصيغة ، دون علمه صياغة.
ثم من الغيب ما هو كائن غيبه ككلّ الكائنات ، وما هو مكوّن مستقبلا أو كان ماضيا ثم فنى ، وهذه الزوايا الثلاث لمثلث الغيب مختصة بالله إلّا ما ليس من الغيب المطلق.
وفي رجعة أخرى إلى الآية نقول : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ) قضية عقلية محلّقة على كافة العلوم الغيبية ، شاملة للمحسوس وسواه ، ولكي يقرب ذلك المعقول إلى عقول أهل الحس ثنّاه ب (وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) حيث تشمل كافة المعلومات غيبية وسواها ، فهنا إضافة إلى تبيين مدى علمه تعالى بالغيب في سعته إضافة للمشهود إليه وبأحرى.
ثم قرّ مرّة أخرى بصورة مستغرقة لعلمه بالغيب والشهادة (وَما تَسْقُطُ ...) ثم عممه رابعة جمعا بين الضابطة العقلية الأولى والمثالين بعدهما للحيطة العلمية الربانية : (وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ).
ويا لها من جولة تدير الرؤوس وتذهل العقول ، جولة في آماد الزمان وآفاق المكان ، وأغوار من السر والعلن والمعلوم والمجهول ، جولة موغلة مترامية الأطراف تشمل فعلية الكون وإمكانيته ، وكما تعني ـ في الأصل ـ ذات الله وصفاته وأفعاله المعلومة ـ فقط ـ لديه.
والإنسان ـ أو أأيّا كان من الخليقة العاقلة العالمة ـ ليسبح في بحر من المجهول فلا تقف إلّا على جزر طافية يتخذ منها معالم في الخضمّ ف (ما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً)!.