وسلم) هكذا في خطوات ، من (أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) في العهد المكي حربا عقيدية ، تبنيا لأعضاء الدولة وأعضادها في المدينة ، وإلى حرب المشركين المدنيين ثم المكيين ثم سائر الجزيرة وإلى الشام والروم ، حيث الجمع بين كل الأعداء في حرب واحدة منذ البداية ، انسحاق لأصل الدعوة بمجموعتها الدينين ، ما لم يفعله قائد القوات الرسولية في زمنه فضلا عمن سواه!.
فلمحاربة الأعداء الأقربين ، ولا سيما الدخلاء الداخليين ، تقدم حسب كل التكتيكات الحربية ، كما وهي أقل مؤنة وأكثر معونة وأوجب دفعا للخطر الحادق الحاذق.
ثم (الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ) إن كانوا أقوياء ، كان تعرّضهم لدار الإسلام أكثر وتبرزهم أخطر من البعيدين ، فهم أولى بالدفع ممن سواهم ، وإن كانوا ضعفاء كان استيلاءهم عليهم أسهل ، وإبقاءهم على حالهم اشتغالا بالبعيدين يخلق لهم مجالا للاستعداد ، وعلى أية حال ف (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً) (٣٣ : ٢١) فقد ابتدأ في كلا الغزو والدعوة بالأقربين ، مراعيا سياسة الخطوة الخطوة حتى ملك الجزيرة بكاملها ، ثم إلى غير الجزيرة من الروم وما أشبه ، سنة سارت عليها الفتوحات الإسلامية. تواجه من يلون دار الإسلام مرحليا ، فلما أسلمت الجزيرة أو كادت ، ولم تبق إلا فلول منعزلة لا تؤلف طاقة خطرة بعد فتح مكة ، كانت غزوة تبوك على أكناف الروم ، ثم انساحت الجيوش الإسلامية إلى الروم وفارس إلى أن وحّدت الرقعة الإسلامية وتواصلت حدودها ببعضها البعض ، فإذا هي كتلة ضخمة شاسعة الأرجاء ، واسعة الأنحاء ، متماسكة الأطراف ، ثم لم تمزقها إلّا الحدود المختلفة المختلقة المتخلّفة بين ديار الإسلام فأصبحت دويلات فشكلت ويلات على المسلمين أجمع.
ذلك ، وترى (وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً) تعني الخشونة والفظاظة التي تنافي في صالح الدعوة؟ إنها غلظة رهيبة في القوات المسلحة وسائر الاستعدادات أمام المحاربين دون سائر الكفار فضلا عن المؤمنين ، فقد