تعني «غلظة» منكرة ، الغلظة التي لا بد منها أمام المعاندين ، فلا تنافي اللينة في الدعوة والرحمة في الدعاية ف (لا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) (٢٩ : ٤٦) فحين لا تؤثر الرحمة إلا زحمة فهنالك الغلظة أمام غلظة ، حيث الرحمة أمام الظالم المعاند العامد ، إنها زحمة وقسوة على المظلوم ، فهي ـ إذا ـ غلظة أمام غلظة ، بلا هوادة ولا تميّع ولا تراجع ، إنها قوة وصلابة ومهابة (حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ).
ذلك ، وكما أن الرأفة والرحمة في الدعوة الربانية من تقوى الله ، كذلك الغلظة في محالها من تقوى الله ، فالرأفة مكان الغلظة كما الغلظة مكان الرأفة هما خارجتان عن تقوى الله إلى الطغوى على حكم الله.
ولقد كانت الحروب الإسلامية بقيادة القائد الرسولي أو الرسالي ، مبنية على تقوى الله : (فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) فلا يحب الطاغين.
ولقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أمر الأمير على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله تعالى ومن معه من المسلمين خيرا ثم قال : اغزوا باسم الله ، في سبيل الله ، قاتلوا من كفر بالله ، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثّلوا ولا تقتلوا وليدا ، فإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال ، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم وأدعهم إلى الإسلام ، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ، ثم أدعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين ، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما عليهم ، فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله تعالى الذي يجري على المؤمنين ، ولا يكون لهم من الغنيمة شيء إلّا أن يجاهدوا مع المسلمين ، وإن هم أبوا فسلهم الجزية ، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ، فإن أبوا فاستعن بالله تعالى عليهم وقاتلهم ... (١).
__________________
(١) أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي ، وأخرج أبو داود عن رجل من جهينة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : لعلكم تقاتلون قوما فتظهرون عليهم فيتقونكم بأموالهم ـ