فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) خامس وسادس من عساكر البراهين الساطعة في آية الكنز على واجب استئصاله في سبيل الله ما لزم الأمر ، ومما تشبه آية الكنز هي آية الطوق : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (٣ : ١٨٠) ومن أصدق المصاديق ل (ما بَخِلُوا بِهِ) هو الكنز.
ذلك ، ولأن وضع المال في تكوين الله وشرعته ليس إلّا قياما صالحا للحيوية الإنسانية العادلة الفاضلة : ف (أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً) حيث «جعلها الله مصلحة لخلقه وبها يستقيم شئونهم ومطالبهم» (١) فكل مال لا يستفاد منه فهو كنز ، سواء الركام الذي لا يدار في عمل ، أم يدار ولكن فائدته تصبح ركاما على ركام إذ لا يحتاجه صاحبه أم هو فوق حاجته المشروعة ، فواجب إنفاق الكنز يشملهما ، مهما عم إنفاق منافعه إلى إنفاق أصله ما يصدق أنه مصروف في سبيل الله.
فالمال على أية حال لا بد أن يكون دولة بين الناس ككل قدر المساعي والحاجات ، ف (كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ) ضابطة سلبية تفرض إيجابية الدولة المطلقة للمال ، فالمال المركوم في أصله أم في عوائده محظور في شرعة الله يجب إنفاقه في سبيل الله أصلا أم فائدة. فتضخّم الثروات غير مسموح في شرعة الله وهناك بطون غرثى لا عهد لها بالشبع ولا طمع لها في القرص.
وحصيلة البحث في آية الكنز هي أن كنز الأموال والثروات محرم مطلقا ، ولا خراجها عن كنزها طريقان اثنان ، إنفاقها بأعيانها في سبيل الله ، أم إدارتها لصالح المحاويج فإنفاق منافعها في سبيل الله ، ولكن نص الآية هو الطريقة الأولى تحللا عن أصل الكنز بفصله عن ملكته.
صحيح أنهم إن كنزوا ولم ينفقوا كانوا أعصى لله مما إذا لم يكنزوا
__________________
(١). في الأمالي عن أبي جعفر (عليهما السلام) يقوله بشأن الأموال.