ولم ينفقوا ، أم أداروها وأنفقوا من عوائدها ، ولكن «يكنزون ولا ينفقون» تفرض إنفاق الكنز بأصله.
فأما الذي لم يكنز ، وإنما أدار المال الزائد عن حاجته فأنفق من عوائده فقد لا تصدق عليه هذه الآية.
أم يقال إن إنفاق الزائد عن الحاجة في سبيل الله هو واجب الإنفاق ، فالإبقاء على هذا الزائد وان لم يكن كنزا محظور وإن لم تشمله آية الكنز ، فإنه مشمول لآية العفو (يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ).
إذا فالمحظور الأول هو ترك إنفاق العفو ، ثم الشديد هو ترك إنفاق الكنز.
وفي كنز المال عدة أخطار ، كعدم التنقل بفائدته ، وعدم الظهور بعائدته ، على أنه الزائد غير المحتاج إليه ، فذلك الثالوث يجعل من المال المكنوز وبالا على أية حال.
والذهب والفضة هنا لا تعنيان إلا الثروة المالية التي هي المدار في حاجيات الحياة ، فكنزها وهي تمجيدها محظور أوّل ، وعدم إنفاقها في سبيل الله وهي الزائدة عن حاجيات الحياة محظور ثان ، وكونه حكرة لأصول الأموال محظور ثالث ، فثالوث المحاظير تجعل الكنز للأموال من أشد المحاظير كما تنطق بها آية الكنز نفسها.
إذا فكل مال لا يحتاجه صاحبه لحياته المتعودة يوميا ورأس مال أم ليوم فقره ولورثته ، لا بد وأن يحتاجه في سبيل الله ، وهذا أقل تقدير في الكنز.
ثم عليه أن ينفق ما يتركه لورثته إذا كانت حاجة حاضرة متأكدة إسلامية ، فإنها تتقدم على المستقبلة المظنونة.
ثم عليه أن ينفق ما تركه ليوم فقره وبؤسه بنفس السند ، وهذا هو المعني من إنفاق العفو عند الحاجة لسبيل الله ، وهي دوما بحاجة إلى بذل الأموال كما تحتاج إلى بذل النفوس وطاقاتها ، مهما اختلفت درجات الحاجات فاختلفت درجات الانفاقات لزوما ورجحانا.