ولقد كانت آية الكنز عبئا على جماعة من الأثرياء وأتباعهم لحد عزموا على حذف الواو منها لكي يختص حظره بالأحبار والرهبان ، ومن ثم اختلقوا أحاديث في اختصاصه بمن لم يؤد زكاته ، ولكن الآية بنصها أو ظاهرها كما النص إجابة عن تأويلاتهم وكل ويلاتهم على الكنز ، إجابة صارمة لا قبل لها إلا ترك الآية وراءهم ظهريا.
فالكنز على أية حال محظور ، والتبذير والإسراف وصرف المال في محرم أو في غير المصلحة محظور ، وترك الإنفاق عفوا منه محظور ، ولا يحق لأصحاب الأموال أن يجمعوا أموالا وبجنبهم فقراء أم فقر في سبيل الله.
(يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ) يحمى على أصل الذهب والفضة كرصيدين لكل الأموال ، أم يحمى على أصول الأموال أيا كانت حيث الأجسام في الجحيم غيرها هنا وكما الأبدان.
(فَتُكْوى بِها ..) وإنما خصصت هذه الثلاثة بالكي؟ لأنها كانت مسجودات لأصحابها خارجة على كونها ذرائع للعيشة ، وسنادات لجنوبهم وظهورهم ، ففي كنز المال دونما إدارة لشؤون الحياة إخراج له عن الوسيلة إلى الأصل ، وكأنه يعبد فكي للجباة ، ثم يعتمد عليه كما يعتمد الظهر على عماد فكي للظهور ، ثم اعتماد عليه كهامش الحياة استرواحا إليه فكي للجنوب ، ومن هذه الثلاثة يدخل النار في الأجواف ، فيقال : (هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ) إشارة إلى الكنز أيا كان ، كنزتم لأنفسكم لمستقبلكم الموهوم يوم الدنيا ، أم ولحياتكم الأخرى (فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) ذوقا لملكوتها التي حولتموها إليها.
ذلك لأن المال في وصفه تكوينا وتشريعا ليس إلا ذريعة لإدارة شؤون الحياة بصورة عادلة وفاضلة ، إذا فتمجيدها عن الحركة الحيوية اعتبار لها كأنها أصل من أصول الحياة فيرجع عذابا على صاحبه الكانز إياه.
ثم يتلوه الذي يصرفه في غير صالح للحياة ، أم يبذره أو يسرف به ، ثم الزاوية الثالثة هي الصالحة ، تحصيلا له صالحا ، وصرفا صالحا دونما إفراط ولا تفريط.