وهنا ، كون الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) محور النصرة الربانية ، والسكينة هي محور لتلك النصرة ، والضمائر الثمانية ـ هي بطبيعة الحال ـ راجعة إليه ، هذه وما أشبه أدلة قاطعة لا مرد لها أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) هو صاحب السكينة هنا دون صاحبه.
و (إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ) هي ثالثة النصرة له (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ثم (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ) هي رابعة مفرعة على هذه التي مضت ، منتوجة أصيلة لها كلها ثم و (أَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها) خامسة و (جَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى) ، سادسة (وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا) هي السابعة ، وهذه الثلاثة الأخيرة هي من مخلقات السكينة ، وهذه السبعة من زوايا (نَصَرَهُ اللهُ) هي التي تشكل هندسة النصرة الربانية المنقطعة النظير لهذا البشير النذير فلو اختصت السكينة بصاحبه في الغار لاختصت به سائر النصرة المتقدمة عليها والمتأخرة عنها!.
ثم هنا نحن بين محتملات ثلاث في (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ) أنها تخص الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كالستة الأخرى ، والضمائر السبعة الأخرى ، ولأن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هو المحور الحائرة حوله الآية بكل بنودها؟ ـ
أم تعمهما؟ وضمير المفرد لا يتحمل الرجوع إلى اثنين ، فلا موقف لذلك الاحتمال أصلا! أم هو راجع إلى صاحبه ـ كما يهواه من أصحاب صاحب الغار شذر نزر لأنه المرجع الأقرب (١) ـ فتصبح تلك السكينة الغالية
__________________
(١) انهم احتالوا وحاولوا نزول السكينة عليه في قالات وروايات ، منها ما في الدر المنثور ٣ : ٢٤٥ ـ أخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك قال دخل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبو بكر غار حراء فقال أبو بكر للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لو أن أحدهم يبصر موضع قدمه لأبصرني وإياك فقال : ما ظنك باثنين الله ثالثهما يا أبا بكر أن الله أنزل سكينة عليك وأيدني بجنود لم تروها ، ورواه مثله عن ابن عباس وأبي ثابت دون اسناد إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
أقول : ولأن الكاذب ينسى فقد نسي الناقل أن الغار هو غار ثور دون حراء ، ثم ما هذه السكينة النازلة على أبي بكر لم تلك تسكنه عن اضطرابه؟.