المتخيلة ، إذ تفرقت ، والحياة الوحيدة المطمئنة ليست إلّا على ضوء عبادة (اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) وبيده ملكوت كل شيء وناصيته! ف (ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) في الحياة وبمختلف الحقول ، ولدي كل الفطر والعقول (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) فانما (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ) (٣٠ : ٧).
ف (الدِّينُ الْقَيِّمُ) هو الدينونة الحقيقية لله وحده ، الخضوع له وحده ، واتباع أمره وحده ، سواء في شعيرة تعبدية أو سياسية ، أخلاقية أو ثقافية أو اقتصادية امّا هيه من قضايا الدينونة المطلقة ، التي تحلّق على كافة الحقول الحيوية منذ الولادة حتى الممات.
ولقد رسم يوسف الصديق في هذه المجالة القليلة ، بهذه الكلمات القلة الناصحة الناصعة الجميلة ، رسم بها فيها كل معالم الدين القيم ، وكل مقوماته (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).
فقد نرى يوسف السجين بأيدي المشركين يخطط في السجن ويرسم هندسة القضاء على حكم الفراعنة والطواغيت ، متذرعا إليه بتعبير الرويّ ، وإلى استلام عرش الحكم (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) :
فأخيرا يجهّل الطغمة الحاكمة والمحكوم عليهم ، تجهيلا للمرسوم الملكي الجبار الفرعوني ، أنه اغتصاب لحكم (اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) الذي هو المدار وعليه الطمأنينة والقرار.
وهنا بعد ما تتم الدعوة في كل إجمال وجمال يبدأ الصديق بتأويل رؤيا صاحبي السجن بكل رياحة حال واطمئنان بال حيث قال :
(يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ)(٤١).