التأويلان ظاهران في تناسبهما مع رؤياهما ، ولكن ترى ما هو موقف (قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ)؟
هل إنه يلمح بتكذيب منهما لرؤياهما؟ فكيف اصغيا لدعوته الرسالية قبل تأويلهما! وما هو الدافع لاختلاق رؤيا عند من يريانه من المحسنين! ولم يكن يدعي من ذي قبل أنني عالم بتأويل الرؤيا حتى يجرباه امتحانا او امتهانا! وقوله للذي ظن انه ناج منهما اذكرني عند ربك ، ثم سكوته عما يكذبه في تأويله لكذبه في رؤياه ، دليل لا مرد له على صدقه في رؤياه! وكيف يلهم نبي الله تأويل الرؤيا ولا يلهم كذبها وفيه فضح الرسول ونقض الرسالة!
أو أنه ـ لأقل تقدير ـ لمحة بتكذيب الآخر رؤياه إذ هوّله ما اوّله من صلبه؟ فكذلك الأمر! ثم ولم يكن التهويل إلّا للآخر فلما ذا يجمع معه الأوّل في «تستفتيان»؟!
ومن ثم كيف يتحقق تأويل رؤيا كاذبة ، فما رواية كذبه أو كذبهما إلّا كاذبة ، لا تلائم الآية وساحة النبوة ولا عدل الربوبية ، أن الكذب في رؤيا جزاءه الصلب!
قد يعني (قُضِيَ الْأَمْرُ ..) القضاء على الحيرة الحاصلة للاوّل بتبشيره وللآخر بإنذاره ، وعلّ الآخر أخذته الريبة في تأويله تخوفا ، والآخر أخذته تبجحا وتنشفا ، لذلك يؤكد صدق فتواه في تأويله بقضاء الأمر ومضيّه ، والأمر المستفتى فيه هو الرؤيا ، وقضاءه تحقق تأويله ، وهذا أولى بأدب اللفظ وحق المعنى ، دون تحميل على الآية ولا تأويل دون دليل!
(وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ)(٤٢).