«وقال» يوسف بعد قضاءه أمر صاحبي السجن وإفتاءه ما أفتى (لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا) أتراه هو الذي ظن فيما أفتاه وقضاه؟ والقضاء علم! ولا سيما أنه من تعليم الله : «ولنعلمنه من تأويل الأحاديث»! فهل إن الله يظن كما الخلق؟ أم إن النبي يظن فيما يقضي به بالوحي؟.
أم الذي أفتى بنجاته هو الذي ظن؟ وقد يؤيده (قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ) حيث يلمح أنهما لم يصدقاه تماما ، وهو طبيعة الحال فيمن لم يؤمن بالوحي والرسالة ، فإنما آمن بما قضي له ظنا إذ كان لصالحه ، وهو قضاء رجل محسن صالح (إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ).
وقد يعني فيما عناه ظن يوسف أيضا ، حيث العلم الظاهر هو في الحق ظن ، إذ (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) اللهم إلّا في أحكام الشرعة فلا محو فيها إلّا نسخا ، فرغم أن يوسف كان يعلم بما علمه الله أنه ناج ، ولكنه مما يتحمل المحو والإثبات فعلّه يمحى او علّه يثبت ، فلذلك يصح التعبير أنه ظن ، ولكن أين ظن من ظن؟ ظن الناجي قصورا لعدم الإيمان ، وظن يوسف عالما لقمّة الإيمان ، أن لله أن يمحو ما علّمه وقضاه.
(قالَ ... اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) لما نجوت ، أذكر أنني في سجنه حيث أنسوني بتهمة المراودة (حَتَّى حِينٍ) واذكر حالي (إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) وعلمي بتأويل الرويا ، علّه يحتاجني فلا يجتاحني ويبقيني على تهمتي في السجن (حَتَّى حِينٍ) وحين يعلم ربك أنني من المحسنين والعالمين بتأويل الرويّ ، وأنني كما بينت من النبيين ، علّه يغير رأيه : أنني من الخائنين والجاهلين ومن الناس العاديين.
(فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ ..) وترى من هذا الذي أنساه الشيطان ذكر ربه؟ هل هو يوسف الصديق؟ وهنا شهادات سبع ـ كما هناك ـ في «هم بها» على برائته ، وأن الشيطان إنما أنسى الناجي منهما أن يذكره عند الملك.