(فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ ..) شاهد أوّل على برائته حيث الإنساء هنا مفرّع على (قالَ لِلَّذِي ..) ولو كان الإنساء ليوسف لكان «فأنساه» مفرعا عليه ، وقلبت العبارة لتدل واضحة عليه : (فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ ...) فقال حتى يكون قوله نتيجة إنساء الشيطان ، وهو الآن يعاكسه ، فإنما الشيطان أنسى الناجي ذكر ربه ، وبالنتيجة (فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) ما لو ذكره لم يلبث بضعها.
٢ وشاهد ثان (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ ..)(٤٥) بعد آيتين هنا ، وبعد مضي بضع سنين ، والمدّكر هو الناجي ، وليس الادكار إلّا بعد النسيان ، فليكن إنساء الشيطان له حتى (ادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) دون يوسف المظلوم الصدّيق الذي ظلمه العدو والصّديق.
٣ وشاهد ثالث (وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ ..) فلو كان (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) توسلا منه إلى غير الله ، ونسيانا لذكر الله ، لكان يستجيب الملك فور وصول الرسول ، وهذا مما يدل أن (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) كان منه ذريعة إلى برائته عن سجن التهمة ، وذلك قضية الإيمان وذكر الرب ، دون نسيان لذكر الرب.
٤ وشاهد رابع (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ)(٥٢) فما قولي للناجي «اذكرني» إلّا لهذه الغاية ، ليعلم العزيز أني لم أخنه ، وهم زجوني في السجن بتهمة الخيانة ، وهذا من خلفيات ذكر الرب دون نسيانه ، حيث المحاولة في البرائة عن الخيانة ولا سيما عن ساحة النبوه ، هذه قضية قوة الإيمان دون ضعفه أو نسيان لذكر الله.
٥ وشاهد خامس أن إنساء الشيطان لذكر الرحمن من أنحس السلطان على قلوب العباد ، وليس للشيطان اي سلطان على عباد الله المخلصين كما في آيات ، وفي يوسف (كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا