لما فيه عبرة لأولي الألباب وحذفا لما لا يعني إلّا تطويل الأبواب.
تذكر خوضه في مختلف الابتلاءات والبليات ، وخروجه عنها كلها نقيا متجردا متبلورا خالصا عن كل رين وشين.
ومع استيفاء القصة لكل ملامح الواقعية في ذلك العرض العريض ، حيث أصبحت السورة كلها صورة رائعة عن هذه الشخصية اللامعة ، وعرضا لثورة أخلاقية وعقيدية في معرض الاصطدامات الشديدة ، فإنها تمثّل النموذج الكامل لمنهج الإسلام في الأداء الفني الصادق الفائق لواقع القصة.
تظل القصة في ظلال ذلك الأداء الأمين الرصين نظيفة عن كل خالجة خارجة عن طور الواقع ، لتجعل أولى الألباب معتبرين بالأمر الواقع ، بعيدة عن التخيلات اللّاصقة ، والتطفلات اللّاحقة ، والترنمات الماحقة لأصالة القصة.
فالسورة بكاملها ثورة أخلاقية عقيدية جماعية سياسية اقتصادية أمّاهيه ، بمن يحتّفون بشخصيتها المحورية ـ يوسف الصديق عليه أفضل الصلاة والسلام ـ بين يعقوب الوالد الملهوف ، وبين الإخوة في كل حقد ومؤامرة ومناورة ، إلى أن شروه بثمن بخس دراهم معدودة ، وبين عزيز مصر وامرأته بكل غرائزها واندفاعاتها الأنثوية الرديئة ، وبين النسوة من طبقة عليّة في مصر الفراعنة ، وبين أصحابه في السجن ، وإلى أن أصبح هو عزيزا يرأس بلاد الفراعنة في كل صدق وصفاء وهيمنة الرسالة!
(إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ)(٤).
«يوسف» هو ابن يعقوب إسرائيل ، وعلى حد تعريف الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن