ولماذا «رأيت» مرتين وهي رؤيا واحدة؟ كأن الاولى هي الرؤيا والثانية هي الرؤية فيها فالأبلغ الأفصح تكرارها.
وترى لماذا بالنسبة للكوكب والشمس والقمر «هم .. ساجدين» وهي لا تعقل؟ علّه حيث نسب إليها فعل من يعقل «ساجدين» ناسبها ضمير العاقل ، وكما في أضرابها : «وكل في فلك يسجون» (يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ) (وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا) (فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ).
فقد حسن استعمال ضمير العاقل فيها لمكان فعل العاقل ، وهنا مزيد تحويلا لتأويل الرؤيا وهو أبوا يوسف واخوته ، فجرى الوصف على تاويل الرؤيا ومصير العقبى ، فزاد حسنا على حسن.
ثم الرؤيا هي الرؤية في المنام ، وهي تعمها وكل ما يرى في غير حالة اليقظة الكاملة من إغماء ، أم حالة بين النوم واليقظة ، كما المنام يعم النوم باختيار ودون اختيار ، وفي اختياره يعم اختيار مقدمات له ، أم اختيار النوم بتجريد النفس وتخليّها عن البدن بحواسه الظاهرة ، والرؤيا تحصل في كل هذه الخمس مهما كان أكملها النوم التام باختيار أم دون اختيار ، في نوم حيونة الحواس أم إنامتها باختيار.
والمناسب منها لساحة يوسف الصديق هو ما دون الإغماء ، والأنسب بين الأخرى هو الإنامة باختيار ، ولا برهان لها فيما هنا ، فان رؤيّ الأنبياء شعبات من الوحي ، كما في سائر الرؤيا الصادقة ، فإن فيها لمحات الوحي ، حيث ترى سيرة الواقع في ظلال الصورة المناسبة لها ، الوطيدة الصلة بها.
فقد يرى الواقع الغيب بسيرتها وصورتها الحقيقية ، وهذه تخص رجالات الوحي ومن يحظو حظوهم ، إذ يحذو حذوهم ، ام ترى بصورتها