ومن ثم سائر الوديان الأوعية ، السائلة غير الكاملة ، إنها تسيل بقدرها ظرفا واستعدادا ، فاحتمل السيل في كلّ زبدا رابيا طافيا عاليا على الماء يستره في ثبج الأمواج وحالة الهياج.
فالزبدة الطالحة هنا تستر الزبدة الصالحة ، مما يخيّل إلى الجهال أن الزبدة هي الزبدة لربوتها واعتلائها وجولتها «وإن للحق دولة وللباطل جولة».
إن الزبدة الباطلة الهاطلة المطلة على الماء الزّبدة ليست هي من أصل الماء ، فإنما هي غثاء من الهواء والأودية ، زبد في أوعية القلوب لتضيّقها وعدم صفائها كما يحق ، وزبد في الجو المجتمع الذي ينزل فيه الوحي ، وهما يعمان زبد الأفكار والعقائد والأعمال والأساطير المتعوّدة ، ولكن قلب المؤمن المتحري عن ناصع الحق يصفو عن كدره قدر سعيه وكدحه ، ولكن الذين في قلوبهم مرض يزدادهم فتنة : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً) فالشيطان يلقي في أمنيات النبيين وهي وحي النبوات ، ولكن الله ينسخ ما يلقيه في قلوب المؤمنين من زبد الباطل ولا ينسخه عن الذين في قلوبهم مرض : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ، لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ ، وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ، وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ) (٢٣ : ٥٥).