وطالما الباطل يزهو ويطفو ويجفو ويربو ردحا من الزمن ولكنه زاهق ما حق يذهب جفاء ببراهين الحق (وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) فالحق ـ أيا كان ـ لا محالة ماكث ، والباطل زاهق رافث ، لأنّه هاجس لصالح النسناس.
وكما الأودية بين خاصة وأخرى جماعية عامة ، كذلك الماء النازل فيها بما تحتمل من زبد ، فطالما الباطل يرعد ويبرق ويتصدر في سيول المجتمعات الإنسانية بكل زور وغرور ، ولكنه ذاهب جفاء ، ودولة الحق باقية صارمة.
فالزبد ـ على أية حال ـ ذاهب جفاء سواء أكان في أودية القلوب وأوعيتها ، إذا كانت مؤمنة حيث الله ينسخ ما يلقي الشيطان ثم يحكم آياته ، أم في أودية المجتمعات فإنه زاهق بأدلة الحق ، وسوف يزهق من أصله حيث لا يبقى له أثر كما في دولة القائم المهدي من آل محمد صلوات الله عليهم أجمعين.
ولكنما الحق لا بد له من امتحان ، وابتلاء ، (وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ) حيث يوقد على الفلزات الخليطة استخلاصا لها عن زبدها ، كذلك أهل الحق ، كلما كانت درجاتهم أعلى فابتلاءاتهم أشد وأنكى ، ودوائر السوء المتربصة بهم أكثر وأشجى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ) (٤٧ : ٣١) (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) ـ ولتبلبلنّ بلبلة ولتغربلنّ غربلة حتى يعود أسفلكم أعلاكم وأعلاكم أسفلكم! وجماع القول هنا أن النازل من الله ـ أيا كان ـ خال من الكدرة والاعوجاج ، وناصع ناصح يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم ، سواء