فهذه واللتان بعدها مواصفات لأولي الألباب ، وحجر الأساس فيها هو الوفاء بعهد الله وعدم نقض الميثاق ، فوصل ما أمر الله به أن يوصل ، وإقام الصلاة ، والإنفاق مما رزقوا ، ودرء السيئة بالحسنة هي من مخلفات الوفاء بعهد الله.
كما خشية الرب والخوف من سوء الحساب والصبر ابتغاء وجه الرب هي من خلفيات عدم نقض الميثاق ، وعهد الله هنا مطلق بين قديم الفطرة وهو الميثاق المأخوذ على ذرية بني آدم ، ثم بين العقول التي تتبنى الفطرة ، رسولان ذاتيان داخليان متجاوبان مع الرسل الخارجية ، ومن ثم بين جديد الرسالة مع الرسل الذين بعثوا لتجديد الإيمان وتجويده تذكرا بما في عهد الفطرة.
والسبيل الوحيدة إلى الوفاء بمثلث العهود هو تخليص الفطرة والعقل عما يحجبها ، والإخلاص إلى خالص الشرع دونما خلط فيه مما ليس منه ، وهذا هو اللبّ.
وكلما استحكم العهد بوفائه في ميثاقه ابتعد عن النقص والنقض ، ف (يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ) ينتج : (وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ) كما (وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ) ينتج : (يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ) فإنهما متعاملان متجاوبان في أولي الألباب.
أولوا الألباب مذكورون في (١٦) موضعا من الذكر الحكيم ، وفي كلها تختص بهم الذكرى والعبرة فالتقوى (١) إذا فلا ذكرى ثم عبرة ثم تقوى إلّا لأولي الألباب ، ولغيرهم النسيان والطغوى ، فان إنارة العقل مكسوف بطوع الهوى ، (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (٢٢ : ٤٦).
__________________
(١) فالتقوى لهم في : ٣ : ١٧٩ ـ ١٩٧ ، ٥ : ١٠٠ ، ٦٥ : ١٠ والعبرة بالآيات ٣ : ١٩٠ ، ١٢ : ١١١ ، ثم فيما سواها العشر الذكرى!