إن الغشاوات الحاجبة للفطر والعقول تغشوهما عن ذكرى الحق في كل الحقول ، عبرة بآياته ، فتقوى في غاياته ، فعملية السلب أصعب من الإيجاب ، حيث الرسل الذاتية لا غبار عليها ولا ستار في ذواتها ، فإنما على السالك سبيل الهدي أن يقيم وجهه للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها ، بتأمل فيه عقليا ، وتعمّل في طرد ما ينافيه حتى لا يطرئه ، وإزالة الطارئ ولكي يجلو ويشفّ ويعفّ عما يطارده ويستره.
ثم المترتب على الوفاء بعهد الله وعدم نقض الميثاق هو الوفاء بعهود الرسل وسائر خلق الله ، وسائر العهود الفرعية مع الله ، فالناهض بما يتوجب عليه في عهد الله ، ناهض بكافة المتطلبات في عهود الشرعة الإلهية ، قاعدة رصينة متينة تتكفل الحفاظ على سائر العهود المنبثقة عن العهد الأوّل.
إن واجب الوفاء بالعهد ـ أيا كان ـ ومحرّم نقض الميثاق ـ أيا كان ـ لهما دورهما الهام في القرآن ، فقد نهى الله عن نقضه أشد النهي ، وقدّم فيه أشد التقدمة ، وذكره في بضع وعشرين آية ، نصيحة لكم ، وتقدمة إليكم وحجة عليكم ، وإنما تعظم الأمور بما عظمها الله عند أهل الفهم وأهل العقل وأهل العلم بالله ، وقد يروى ان نبي الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : «لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له» (١).
وكلما كان المعهود له أعظم ومادة العهد أضخم وأتم ، فواجب الوفاء به وحرمة نقضه أهم ، على اشتراك العهود المشروعة في واجب الوفاء وحرمة النقض.
__________________
(١) الدر المنثور ٤ : ٥٦ ـ اخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابو الشيخ عن قتادة في الآية عنه (صلى الله عليه وآله وسلم).