بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ)(٣٨).
فتلكما ملة التوحيد ، وهؤلاء من دعاته الأصول ، فأنا اتبعت ملة هؤلاء الآباء الأكارم نسخة طبق الأصل و (ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ ..) ف «ما كان» تضرب إلى أعماق الماضي ، تثبيتا لكيان التوحيد العريق العميق في ذواتنا ، دون (أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ) غير الله ، لا إشراكا في الربوبية ولا في العبودية أمّا هيه من مختلف دركات الإشراك ، من رياء وسمعة إلى عبادة الأوثان وبينهما عوان.
و «ذلك» العظيم العظيم (مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنا) أن جعلنا من دعاة التوحيد ونفاة الشرك (وَعَلَى النَّاسِ) حيث أرسل إليهم أمثالنا من المخلصين الصامدين في التوحيد (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) تلك النعمة العالية الغالية ف (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها)!
ملة ابراهيم وهي سنة التوحيد الخاص ، بعيدة عن إفراط أو تفريط ، نائية عن تسرب الشرك بدركاته ، هذه الملة هي المتّبعة للأنبياء الإبراهيمين ولكافة المسلمين على طول الخط الرسالي ، وحتى خاتم النبيين ، وهو في أعلى قمم التوحيد : (قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (٦ : ١٦١) (قُلْ صَدَقَ اللهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) (٣ : ٩٥) (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) (٤ : ١٢٥)!
وهنا يوسف في السجن بين السجناء المشركين يقرر خطه المستقيم وصراطه القويم : (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) (٣٨). ثم بعد التعريف بملته يأخذ في دعوة التوحيد ،