وكيف لا و «القلوب أئمة العقول والعقول أئمة الأفكار والأفكار أئمة الحواس والحواس أئمة الأعضاء» فالقلب إمام الأئمة فكيف لا يؤم به الحس وهو ـ فقط ـ مأموم غير إمام! وكيف لا؟ ومن لزامات الوحي ألّا يسمعه إلّا من يوحى إليه ، فلو كان يحمل ألفاظا صوتية ـ وبطبيعة الحال جاهرة حتى يسمع ـ لكان يسمعه غير النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد كان يوحى اليه بمرأى ومسمع من الناس ، فهو يسمع وهم لا يسمعون ، وإنما يرون كأنه يغشى عليه من وطأة الوحي! وكان ينفث في روعه قرآنا وسواه من وحي(١).
فلا يسمع إلى قول القائل إن النازل إلى قلبه هو المعنى ـ فقط ـ والألفاظ هي من صياغته ف (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ..) (٧٥ : ١٨)! واسخف منه ان القرآن بلفظه ومعناه من منشآت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الملقاة من روحه الأمين إلى قلبه المكين ، إذ (ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ) (١١ : ٤٩) فانما (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ ..) وهو (لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ) فهل أصبحت روحه الأمين ربّ العالمين حتى ينزّل القرآن على قلبه؟.!
ليس النص «قرأه الروح الأمين عليك» ام «نزل به عليك» حتى يحتمل قراءته على سمعه وانما (عَلى قَلْبِكَ) وهو عمق الروح حيث تتفأد بنور الوحي ، ولا بد للقلب من نورانية تامة طامة استعدادا لنزول الوحي القمة الأخيرة (مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ)(لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) :
(نَزَلَ .. لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) فالمنزل هو القرآن
__________________
(١) الدر المنثور ٥ : ٩٤ ـ اخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).