كينونة الظلم في الله سبحانه وتعالى ، إذ لا دافع له إليه ، ولو كان لم يظلم لأنه عدل حكيم ، وانما يحتاج إلى الظلم الضعيف ، خوفة من القوي أن يغلبه ، أو يساميه في القوة ، وكلّ ذلك مسلوب عن ساحة قدسه سبحانه.
(وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ ٢١٠ وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ ٢١١ إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ) ٢١٢.
(وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ) ـ (وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ) عن الملإ الأعلى ، ردا على المتطاولين على الذكر الحكيم انه (تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ).
(وَما تَنَزَّلَتْ) ببرهان القرآن نفسه انه ليس نازلا إلّا بعلم الله ، (وَما يَنْبَغِي لَهُمْ : الشياطين أن ينزلوا به ، والابتغاء هو قبول البغي الطلب ، فحتى لو طلب من الشياطين ان يتنزلوا بالقرآن (ما يَنْبَغِي لَهُمْ) قبولا لذلك الطلب ، فان قلوبهم مقلوبة عن الهدى مملوءة من الردى ، فأنى لهم ان يحملوا بتلك القلوب المظلمة وحي القرآن؟.
ثم (وَما يَسْتَطِيعُونَ) لو حاولوا في قبول ذلك التنزيل ، ان يقبلوه ، ل (إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ) : (لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ. دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ ...) (٣٧ : ٩).
فإذا كانوا عن السمع معزولين فلا يسمعون مهما تسمعوا ، فكيف يحملون الوحي ـ بقلوبهم المقلوبة ـ إلى قلوب النبيين؟.
وحتى لو ساغ لهم سمعه وحمله بقلوبهم ف (ما يَنْبَغِي لَهُمْ) سماحا لذلك الحمل العظيم لأنهم غير مأمونين ، إذ يخلطون الحق بباطل يهوونه ، رغم خالص الوحي الذي يحوونه! إذ (ما يَسْتَطِيعُونَ) حمله خالصا وأداء كما حمّلوه قضية غلبة الشقوة عليهم ل (إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ) للحق الناصح «لمعزولون» ومن الشروط الأصيلة للتنزل بالوحي سمعه في قرارة نفس