الوسيط.
فلو تنزلت به الشياطين على ذلك النبي الأمين وهو يلعنهم ليل نهار ، لكان أحرى ان تنزّل به على أولياءهم نقضا لما يدعيه من وحي الرحمن ، وكيف تصبح الشياطين بهذه القدرة الخارقة أرحم بعدوّهم من أولياءهم وأنعم ، وهم يحاولون دائبا نقض الوحي ونقصه ، تعبيدا لطرق الشيطنات.
ف (وَما يَسْتَطِيعُونَ) بارزة كالشمس في رايعة النهار إذ ما تنزلوا به على أولياءهم ، (إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ) ظاهرة كالنار على المنار ، فلو لم يكونوا معزولين لأتوا بمثله وأحرى لأوليائهم ، فلا يرد أن ذلك البرهان دور مصرح ، حيث التصديق ب «لا يستطيعون ـ و ـ معزولون» منوط بتصديق القرآن انه وحي الرحمن ، كما ان هذا التصديق منوط ب «لا يستطيعون ـ و ـ معزولون»؟ حيث الانعزال وعدم الاستطاعة باهر واقعيا إذ لم يأتوا بمثله إلى أولياءهم مهما حاولوا واحتالوا! إذا :
(فَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ) ٢١٣.
ولماذا تدعو مع الله إلها آخر وهو حسبك الكافي ونعم الوكيل؟ وذلك النهي الصارم ليس صدا عن اقترافه اشراكا بالله ، واعترافه بغير الله ، وانما هو استئصال لآمال المشركين ان يركن إليهم ويميل بغية ايمانهم ، ام تقليلا لثورة كفرهم.
ثم (فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ) تنبيهة عالية للمؤمنين أن الداعي مع الله إلها آخر يعذّب ولو كان هو الرسول العظيم ، فضلا عمن دونه من المؤمنين!
والقول إن التكليف لا يعني في نفيه وإثباته إلّا نفي النقص الحاصل واثبات الكمال غير الحاصل ، والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بالغ ذروة الكمال فكيف ينهى عن الشرك ويؤمر بلزامات الايمان والرسالة.