إنه مردود بان العصمة لا تنافي الإختيار ، ولا حد ـ كذلك ـ للكمال ، وان تكليف السلب والإيجاب لا يلازم اقتراف المنهي عنه وترك المأمور به ، بل هو كأصل إعلام بحكم الله ، وإعلان للأمة بمرادات الله ، وان الرسول يحمله كرسول إلى الأمة بعد ما يحمله كمكلف من سائر المكلفين.
(وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) ٢١٤.
وهنا انتقاله في النذارة من نفس الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى عشيرته الأقربين ، ومن ثمّ إلى سواهم وإلى العالمين أجمعين ، وهي طبيعة الحال في الدعوة الصالحة الرسالية ، أن يبدأ الرسول بنفسه وذويه الأقارب ، ثم الأغارب ، حيث الأقربين هم الحملة الأولى للرسالة بعد الرسول ، وفي تركهم إلى سواهم حجة على الرسول : كيف ترك ذويه واتجه إلى سواهم ، ويكأن في دعوته غضاضة لا يقبلها ذووه! وهم اعرف به وبدعوته فلو كان حقا لما تركوه ، وليعلم العشيرة الأقربون أنه لا تنفعهم قرابتهم منه شيئا إلّا بالايمان.
فلما نزلت هذه الآية بكى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم جمع اهله فقال : يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار ثم التفت إلى فاطمة فقال : يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار فإني لا أغني عنكم من الله غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها» (١).
__________________
(١) الدر المنثور ٥ : ٩٦ ـ اخرج ابن مردويه عن انس قال لما نزلت : وانذر عشيرتك الأقربين بكى ... وفيه ٩٧ ـ اخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وابو نعيم والبيهقي في الدلائل من طرق عن علي (عليه السلام) قال : لما نزلت هذه الآية على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : وانذر عشيرتك الأقربين ، دعاني رسول الله ـ