وقد يؤشر ذلك الأمر الإمر انه كان في بداية الدعوة ولما يتسع نطاقها ، كما (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) (١٥ : ٩٤) فانتفض لتحقيق الأمر فنفض يده من أمرهم ووكلهم إلى الله ، وبيّن لهم مرارا وتكرارا ان قرابتهم له لا تنفعهم ولا تغني عنهم من الله شيئا ، كيف ولا تنفعه رسالته لو
__________________
ـ (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال : يا علي! إن الله أمرني ان انذر عشيرتي الأقربين فضقت بذلك ذرعا وعرفت أني مهما أبادئهم بهذا الأمر أرى منهم ما اكره فصممت عليها حتى جاء جبرئيل فقال يا محمد انك إن لم تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك فاصنع لي صاعا من طعام واجعل عليه رجل شاة واجعل لنا عسا من لبن ثم اجمع لي بني عبد المطلب حتى أكلمهم وابلغ ما أمرت به ففعلت ما امرني به ثم دعوتهم له وهم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصون فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب فلما اجتمعوا اليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم فجئت به فلما وضعته تناول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بضعة من اللحم فشقها بأسنانه ثم ألقاها في نواحي الصفحة ثم قال : كلوا بسم الله فأكل القوم حتى نهلوا عنه ما نرى إلا آثار أصابعهم والله أن كان الرجل الواحد ليأكل ما قدمت لجميعهم ، ثم قال اسق القوم يا علي فجئتهم بذلك العس فشربوا منه حتى رووا جميعا وايم الله ان كان الرجل منهم ليشرب مثله فلما أراد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ان يكلمهم بدره أبو لهب إلى الكلام فقال : لقد سحركم صاحبكم فتفرق القوم ولم يكلمهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما كان الغد قال يا علي ان هذا الرجل قد سبقني إلى ما سمعت من القول فتفرق القوم قبل ان أكلمهم فعدلنا بمثل الذي صنعت بالأمس من الطعام والشراب ثم اجمعهم لي ففعلت ثم جمعتهم ثم دعاني بالطعام فقربته ففعل كما فعل بالأمس فأكلوا وشربوا حتى نهلوا ثم تكلم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم أحدا في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة وقد أمرني الله ان أدعوكم اليه فأيكم يوازرني على امري هذا؟ فقلت : ـ وانا أحدثهم سنا ـ انا فقام القوم يضحكون.
أقول وقد أخرج القصة باختلافات يسيرة مع الحفاظ على أصلها جم غفير من المحدثين (راجع الدر المنثور وجامع البيان ونور الثقلين والبرهان وبحار الأنوار).