«والشعراء» من النوع الأول هم غاوون و (يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) حيث يذهبون في أقوالهم المذاهب المختلفة ، ويسلكون الطرق المتشعبة ، يهبون مع كل ريح ، ويطيرون بكل جناح ، فيرتكبون أي جناح ، تابعين لكل قائد ، ومجيبين لكل ناعق ، سلسوا القياد لمن يجرّهم ، متصرفين في وجوه الكلام من مدح وذم واستزادة وعتب وغزل ونسيب ورثاء وتشبيب ، أودية متشعبة وسبل مختلفة في الشعر فيها يهيمون :
(أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ ٢٢٥ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ) ٢٢٦.
الهيمان هو الذهاب على وجه الاسترسال دونما حساب ، كما وهيمان الحب هو المسترسل ، منه فوصفهم بالهيمان فرط مبالغة في صفتهم بالذهاب في أقطارها ، والإبعاد في غاياتها ، والهيمان صفة من صفات من لا مسكة له ولا رجاحة معه ، فهي مخالفة لصفات ذي الحلم الرزين ، والعقل الرصين. ومن طبيعة الشعراء استرسال القول دون حساب في كل الوديان ، «وفي كل مذهب يذهبون» (١) ، وفق الانفعالات المسيطرة عليهم تحت وقع الدوافع الأحيانية والمؤثرات المصحلية الآنية.
يهيمون في كل الوديان حقا وباطلا ، ويتلونون بكل الألوان حسب المصلحيات الوقتية ، والشهوات الأصلية والجانبية ، فلذلك (يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) أمثالهم ، ثم : (وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ) نفاقا عارما بين أقوالهم المفرطة والمفرّطة ، وبين أفعالهم ، إذ
__________________
(١) نور الثقلين ٤ : ٧٢ القمي في قوله جل ذكره : «أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ» يعني : يناظرون بالأباطيل ويجادلون بالحجج المضلين وفي كل مذهب يذهبون وانهم يقولون ما لا يفعلون؟ قال : ...