هي طبيعتها لحاملها ، حيث يتحرّى عن هدى الله فيصل إلى القرآن وهو قمتها ، وهدى ثانية هي حصيلة الأولى حيث يعيشها في القرآن تخلقا به علميا ومعرفيا وعمليا ، ثم ثالثة هي حصيلة الايمان بالقرآن والتدبر في آيه الكريمة.
ف «هدى» هنا «للمؤمنين» هي على غرار وقرار (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) ، فالقرآن هدى في مثلثها للمؤمنين المتقين (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) واما الذين في قلوبهم زيغ فليس لهم هكذا هدى ، وانما دلالية وهم لا يتحرونها ، وهي في كل زواياها وحواياها ـ ولا سيما الزاوية القمة ـ حقيقة عميقة ضخمة ، فانه ليس ـ فقط ـ كتاب تفلسف ونظر بل هو في أصله كتاب القلوب والأنفس : (وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً) (٤ : ٦٣) فيسكب هداه على قلوب المهتدين ، حيث يتلقونه بالايمان واليقين ، وكلما كان القلب أندى والفؤاد أهدى ، أدرك صاحبه من هداه أندى وأهدى.
ليس مفتاح تفهم القرآن ـ فقط ـ الصلاحات المكرورة ، وإتقان الأدب لغويا ونحويا ، بل هو القلب المفتوح ، الفاضي عما سوى الله ، الفائض بنور معرفة الله ، فلن تفتح كنوز القرآن ـ بعد المفاتيح الظاهرة ـ إلّا بمفتاح الايمان ، إذا فهو (هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) على قدر ايمانهم وايقانهم بوحي القرآن.
وليس المؤمنون هم الذين يؤمنون ـ فقط ـ بقلوبهم فلا يظهر في اعمالهم ، عبادة لله وخدمة وعونا لعباد الله ، بل هم :
(الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) ٣.
هنا يتوسط كلّ ما بين المبدء والمعاد عمليا بين المبدء : «للمؤمنين»