فان قمة الايمان هي الايمان بالله ، والمعاد : (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) جمعا بين الأصول القمة والفروع القمة ، فالصلاة هي القمة بين الواجبات العبادية ، والزكاة قمة بين الواجبات الخلقية.
ولماذا (هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ) بدلا عن أخصرها «وبالاخرة»؟ لأن الايمان بالمبدء ، الظاهر في التصديق بالوحي ، الناتج عنه إقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، هو الدافع للإيقان بالآخرة ، كما الإتيان بها يدفع إلى أعمال الايمان ، فلا يؤمن بالآخرة إلا المؤمن بالله وبوحي الله دون سواه ، فإذ لا مبدء لا مجال للمعاد ، وإذ لا وحي فما هي فائدة المعاد؟!
كما الإيقان بالآخرة هو الذي يشغل بالهم بعد سائر الايمان ، ويصدهم عن جموع الشهوات الطائشة ، حيث يغمر أرواحهم بتقوى الله وينظّفها عن طغوى اللهو ، ويقابلهم تماما :
(إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ) ٤.
غير المؤمن بالآخرة ، مهما كان مؤمنا بالله ـ على زعمه ـ اعماله ـ بطبيعة الحال ـ سيئة ، ومن سوء حاله على سوء أعماله (زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ) ـ فهم يحسبون انهم يحسنون صنعا ، هنا (زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ) نسبة الفعل الى الله ، وفي غيرها (فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ ..) (١٦ : ٦٣) وكيف يضيف الله الى نفسه فعلة الشيطان؟ وهو إغواء والله منه براء؟ إذ (قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) (١٥ : ٣٩)! انه تعالى يزين لهم سوء أعمالهم سلبيا ألّا يصد الشيطان عن تزيينه ، وايجابيا انه يزيغ قلوبهم بما زاغوا : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) كما (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) (٢ : ٧).
(فَهُمْ يَعْمَهُونَ) لذلك التزيين ، حائرين عن الهدى ، مائرين إلى