الردى ، عمي البصيرة بما تغامضوا عنها ، وقد تصبح النفس البشرية عمها عن اعمالها السيئة حين تخوض اللذات ولا تؤمن بالآخرة ، والنفوس مطبوعة على حب الملذات ، فتوجيها لها إلى حسنات ما لم تهتد بآيات الله ورسالاته البينات.
فكما النفس الانسانية مستعدة للاهتداء إن تفتحت لدلائل الهدى متحرية عنها ، كذلك هي مستعدة للعمه والعمى إن طمست منافذ الإدراك فيها : (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ ..) (٣٥ : ٨).
فالإيمان في أصله قيد الفتك ، والايمان بالآخرة بعد الايمان بالله هو الزمام الذي يكبح نزوات النفس وشهواتها ، تضمينا للقصد والاعتدال في الحياة الدنيا ، ليضمن الفلاح في الأخرى ، فالناكر للحياة الأخرى يظن الفرصة الوحيدة المتاحة له هي الحياة الدنيا ، فتتزين له كل الشهوات والنزوات كغنائم يغتنمها فيها فيميد فيها ويعمه ..
(أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) ٥.
(سُوءُ الْعَذابِ) ليس هو الظلم في الحساب ـ وعوذا بالله ـ ف (لا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) وانما هو الحساب الدقيق الذي لا يبقي على أثر ، دون سماح فيه عن كبيرة ولا صغيرة ولا تخفيف (وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) :
(قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) (١٨ : ١٠٤).
(وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ)(٦) «لتلقى» تلقيا دون وسيط يكدّره ، وانما يلقّيك الروح الأمين كما يتلقّاه من رب العالمين ، تلقيا حكيما (مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ) وعليما «من لدن