الباهرة الكافية (١) فإنه الآية الخالدة لهذه الرسالة المفتوحة للأمم بأسرها ، فليست رسالة محدودة مغلقة على أهل زمان دون آخرين ، والآية القاهرة البصرية مهما عظمت وعلت لا تلوي وتخضع إلّا أعناق المستكبرين زمنها حيث يشاهدونها ، ثم تبقى بعدهم قصة تروى ، وواقعا يشهد فيستشهد به لصدق الرسالة ، فآية (إِنْ نَشَأْ) وهي غير محتومة تخضع أعناقهم شاءوا أم أبوا ، وآية القرآن تهديهم إلى الحق (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) فآية التسيير محتومة ، وآية التخيير غير محتومة.
وهذا القرآن كتاب مفتوح وآية خالدة تمشي مع الزمن ، يستمد منها كل الأجيال طول الزمان وعرض المكان لكل جن وانسان ، مستمرا برصيده لا ينفد ، بل ويتجدد ولا يتبدّد أو يتلبّد ويتبلّد ، فهو أمام كل حق جديد وإمام كلّ قديم وجديد ، فطبيعته ـ إذا ـ هي طبيعة رسالته الدائبة ، لا يحرم عن حجته أي ذي حجى ، إلّا من تنازل عن حجاه ، وتروى إلى رداه ، إذا ف (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ).
وترى كيف يصح «خاضعين» خبرا عن «أعناقهم»؟ علّه حال عن ضمير الجمع والخبر المحذوف «خاضعة» فان خضوع أعناقهم من مظاهر
__________________
(١) نور الثقلين ٤ : ٤٦ في الكافي وروي ان امير المؤمنين (ع) قال في خطبة له : ولو أراد الله حل ثناءه حيث بعثهم ان يفتح لهم كنوز الذهبان ومعادن البلدان ومغارس الجنان وأن يحشر طير السماء ووحش الأرض معهم لفعل ، ولو فعل لسقط البلاء وبطل الجزاء واضمحل الابتلاء ولما وجب للقائلين أجور المبتلين ولا لحق المؤمنين ثواب المحسنين ولا لزمت الأسماء أهاليها على معنى مبين ولذلك لو انزل الله من السماء آية (فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) ولو فعل لسقط البلوى عن الناس أجمعين ...» أقول : «لو» هنا للتأشير الى القسم المستحيل من نزول آية معه وفيه وهو قول الله عز وجل «ان نشأ ..».