سلطانه الجامع غير الجامح ، قصصا حافلة بحركات ومشاعر ومشاهد ، نبراسا ينير الدرب على الزعماء في كل حقل كيف يجب عليهم رعاية الرعايا والتجنب عن الخطايا :
(وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ) ١٥.
«لقد» تأكيدان اثنان لوهبة العلم الربانية ، و «آتينا» في جمعية الصفات تاكيدة ثالثة تلمح لمختلف صنوف العلوم الربانية ، الممكن ايتاءها للصالحين الخصوص ، ثم «علما» منكرا تأشير إلى فخامة ذلك العلم ، كما و «آتينا» تشير إلى انه ليس مما يحصل بتحصيل متعوّد ، بل هو إشراق رباني الى قلوب الطاهرين على قدر الفاعليات والقابليات «علما» ومعرفة بالله يتبع العقيدة الصالحة والعمل الصالح «علما» يعلم صاحبه مصدره ، متجها إلى الله ، منفقا له في مرضات الله ، مقرّبا له إلى الله ، دونما صدّ للقلب عن الله ، زائغا عن مصدره ومورده ، لا يثمر إلّا شقاوة ، لأنه منقطع الصلة صادرا وواردا ، وبعيدا عن النور مادة.
وهنا نعرف موقف الواو في (وَقالا ...) كأنها عطف على محذوف معروف من «علما» هذا ، وهو العقيدة الصالحة والعمل الصالح : (آتَيْنا ... عِلْماً) ـ فاعتقداه وعملا به (وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ ..) فذلك الحمد باللسان يتبع الحمد بالجنان والأركان ، شكرا على عطية الملك المنان ، و «فضلنا» ليس فقط في مجرد العلم ، إذ لا فضل في مجرده عن أثماره ، بل هو الذي قال الله عنه (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) ـ : بالله و (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) علم التقوى والتقوى في العلم ، جناحان يطير بهما العبد الصالح إلى قمم المعرفة والكمال.