ثم وليس «فضلنا» هنا ـ فقط ـ بما علمنا مجردا عما يرام منه مادة وفاعلية ، بل «فضلنا» بما يفضّل عبادا على عباد وقمته التقوى ، و (عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ) تعقيبة رقيبة على ذلك التفضيل في علم وسواه ، انه في العبودية والايمان ، دون العلم الفاضي عنهما ، وانما هو الفائض منهما ، الصادر عنهما ، والوارد موارد الحق المرام فيهما.
ولقد أشير إلى العلم المؤتى لداود في (وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ) (٣٨ : ٢٠) ولسليمان (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً) (٢١ : ٧٩) فهما المؤتيان حكما وعلما ، يشملان قمما معرفية عالية فضّلا بها على كثير من عباده المؤمنين.
اجل وهم من القلة القليلة بين (عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ) : (أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ. فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ. ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ ، وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) (٥٦ : ١٤) فتلك الثلة وهذه القلة هم القلة القليلة (مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ).
ومن فضل داود المشار إليه ب «فضلنا» : (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) (١٠) (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ) (٣٤ : ١٢).
فقد كان داود يرتل مقاطع من الزبور فيتجاوب به ذرات الكائنات من حوله ، مما يدل على العبودية العريقة القمة ، وسليمان المسخر له الريح والجن والإنس بأمر الله قضية طاعة الله كما قال الله : عبدي أطعني حتى أجعلك مثلي انا أقول للشيء كن فيكون ، أجعلك تقول للشيء كن فيكون!
لذلك لمّا «سأل رجل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن أفضل الأعمال فقال : العلم بالله والفقه في دينه وكررها ، عليه ، فقال : يا