مسلمين له حتى يجدوا مجالا لإسلامهم لله.
(قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ) ٣٢.
بطبيعة الحال هؤلاء كانوا ملأ الفتيا السياسية في البلاط ، لا كل الملإ العائشين تحت إمرتها ، والفتوى من الفتى : الطري من الشباب ، فهي النظرية الفتية فيما يطرح من هامة المسائل التي هي محط السئوال والقيل والقال ، ف «افتوني» تعني ابدوا لي بالرأي الفتي الناضج «في أمري» الإمر بأشد المآزق السياسية الملكية ، حيث حار دونها لبها ، فليشر عليها المشاركون معها في صالح الملك ، لا سيما وانني لا أخبئ عنكم امرا أقطعه في سياسة البلاد ، وقد ابتليت بأمر هو المحور الأصيل فيها (ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ) كسرا : حتى تشهدونني كيف أقطعه ، استصوابا له بمشهدكم ، وقطع الأمر هو الرجوع بعد إجالة الآراء ومخض الأقوال الى رأي واحد يصح العزم على فعله ، والعمل عليه دون غيره ، تشبيها بالإسداء والإلحام في الثوب النسيج ، ثم القطع له بعد الفراغ منه ، فكأنها أجالت الرأي عند ورود ما ورد عليها من دعاء سليمان لها الى الايمان به والاتباع له فميلت بين الاجابة والامتناع والملاينة والمخاشنة ، فلما قوي في نفسها امر الملاطفة عزمت على أمرها ، وذلك هو قطع الأمر.
وحيث الكتاب الملقى إليها بمضمونه زلزل كيانها وكسر من سورتها فهي لا تضمر حربا ضد سليمان ، وإلا فلما ذا المشورة ، إلا ان رجال الحاشية حسب عادتهم أبدوا قوة واستعدادا للحرب ، وخضوعا لأمرها على أية حال :
(قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ) ٣٣.