«ارجع» خطابا للرسول الأصل ، وكما قال من قبل (فَلَمَّا جاءَ) الرسول بالهدية «إليهم» الملكة بملئها ، وطبعا رجوعا بالهدية إذ لم يقبلها (فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها) : لا طاقة لهم في قبالها ومقابلتها في عدة أو عدة أو قوة (١) تهديدا شديدا لهم ، حيث الهدية كانت ناطقة بأنهم غير آتيه مسلمين ، وقد تطلّب منهم في كتابه : (أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ). (وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً) بعد ما كانوا أعزة (وَهُمْ صاغِرُونَ) ، فقد يخرج المحارب من بلده ذليلا غير صاغر ، بل هو مكابر تذله القوة ، ولكنهم (أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ) حيث يلمسون الذل والصغار بكل كيانهم أمام جنود الله.
ولأن سليمان تلمّح من حالة الملكة وقالتها وهويتها أنها لا تريد العداء ، بل ويدفعها ذلك التهديد الحديد أن تأتيه بملئها مستسلمين ، لذلك يعد لها عدّة لإتيانها إيّاه صاغرة مستسلمة ، فحاول في إحضار عرشها قبل حضورها لتفاجأ برؤيته فتدفعها الى إسلامها بعد استسلامها ، حيث إن في هكذا مفاجأة لرؤيتها عرشها حجة بارعة ربانية (٢) بعد حجة الكتاب الملقى إليها.
(قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) ٣٨.
وهنا «الملأ» بطبيعة الحال هم الملأ القيادي سياسيا وروحيا ، لأنهم من أعضاد الملك الرسالي ، فهم النخبة المنتخبة من كل الإنس والجن الذين
__________________
(١) البحار ١٤ : ١١٢ وقال الصادق (عليه السلام) ... (لا قِبَلَ لَهُمْ بِها) يقول : «لا طاقة لهم بها».
(٢) نور الثقلين ٤ : ٨٧ عن جوامع الجامع يروى انها أمرت عند خروجها إلى سليمان فجعل عرشها في آخر سبعة أبواب ووكلت به حرسا يحفظونه فأراد سليمان ان يريها بعض ـ