النعمة السابغة الفائقة وسواها مما أنعم به عليّ ، ولقد استشعر أن النعمة كهذه الخارقة البارقة ابتلاء مخيف ضخم ، أمامها مسئولية هامة خطرة ، فالمنعم بحاجة إلى يقظة ليجتازها سليما مسلما شاكرا ، فان زهرة الحياة وزهوة النعمة قد تدفع الإنسان إلى الكفران ، بل هو طبيعة الحال إلّا لمن اعتصم بالله فعصمه الله.
(وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) دون ربه (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) غني عن ان يشكر ، وغني عن ألّا يكفر ، فإنما الشكران والكفران راجعان إلى الشاكر والكافر.
(قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ) ٤١.
(نَكِّرُوا لَها) غيروا معالمه المميزة له بحيث لا يعرف لأوّل وهلة (نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي) إلى عرشها المستأنس لها طيلة ملكتها ، وكان من حقها في نظرتها البدائية ألّا تعرفه لتنكّره واستبعادها الإتيان به بهذه السرعة.
ومن خلال ذلك الهدي «تهتدي» إلى ربها حيث تجوزّ خارقة السرعة ، اهتداء ذا بعدين في ذلك المضمار (أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ) كملإها الذين كانوا معها ، إذ لم يهتدوا لا إلى معرفة العرش ، ولا بمعرفته إلى معرفة الله ، وهنا تعرّف سليمان إلى ذكائها وإسلامها بذلك الاختبار والاعتبار.
(فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ) ٤٢.
هنا ينكّر السئوال (أَهكَذا عَرْشُكِ) دون «أهذا» كما نكّر عرشها ، فهو بين مثلث من التنكير ثالثه بعد المسافة وسرعة السير ، وانها مفاجأة ضخمة لا تخطر للملكة على بال ، فأين عرشها في سبإ وعليها أقفالها