وحرّاسها ، واين بيت المقدس بمسيرة شهر ، وكيف جيء به ومن ذا الذي جاء به؟ ولكن العرش رغم كل ذلك التنكير هو عرشها ، وهي تعرفه ، فانتهت إلى جواب محتاط أريب أديب : (قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ) فروسية بارعة في مواجهة هذه الظاهرة المريبة العجيبة ، وما قولة «كأنه هو» في هذه المجالة المريبة إلّا تصديقا لأنه هو وكما يؤيده (وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ) فانه في ظاهر السياق من قولها تثيبتا ل «كأنه هو» وانها بعد ليست بحاجة إلى آية للإسلام.
وقد يعني الضمير المؤنث في «قبلها» آية العرش ، فقد علمنا من إلقاء الكتاب إلينا ومن مضمونها أنك على حق (وَكُنَّا مُسْلِمِينَ) وما قصة الهدية إلّا تأكّدة لما علمنا أنك لست من أهل المتع الدنيوية ، ويا للعرش آية مؤكدة لآيات سبقته ، وقد كان من قبل عرشا للسلطة المشركة ، وهكذا يبدل الله آية الضلال آية الهدى.
وقد يعني (وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها) أن عرشها أتي به قبل ارتداد طرف وهي بعد في قصرها ، حيث فقدته بأسره دون ان تفتح الأبواب أو ترى حملة يحملونه ، وصالح الآية البينة يقتضيه حتى تعزم على الرحيل إلى سليمان مسلمة عارفة بالقضية ، مهما كان إسلام التسليم أم إسلام الاستسلام ، ولكنها أسلمت بعد مع سليمان لله رب العالمين.
(وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ) ٤٣.
الصد ، بمعنى الفصل المانع ، يتعدى بنفسه إلى مفعول واحد وهو هنا «ها» الملكة ، و (ما كانَتْ ..) فاعله ـ بطبيعة الحال ـ فالواو ـ إذا ـ حالية ، والمصدود عنه هو سبيل الله ، فهي تقول هنا (وَكُنَّا مُسْلِمِينَ) حال انها قبل استسلامها وإسلامها صدها ما كانت تعبد من دون الله عن عبادة