وعناية ربانية ، ثم حلقة الفتوة وملابساتها في الجو الفرعوني ، ثم حلقة النداء الرسالية ، ومن ثم مواجهة فرعون الطاغية ، ثم العاقبة للمتقين غرقا لفرعون بجنوده واستخلافا لموسى بحشوده ، ولكل حلقة مشاهدها العدة : خمسة ثم تسعة ثم اربعة ، بينها فجوات وحلقات ومشاهد ، ما يثير العجب من دقة الأداء الفني للقصة.
والأوليان هما الجديدتان في هذا العرض العريض ، إذ تكشفان عن مدى تحدي القدرة الفرعونية ، إخفاقا لصوت الحق وإخمادا لثائرته في زنده ، ثم مدى القدرة الإلهية حيث تربي قاصم ظهر فرعون في حجره :
(إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) ٤.
إن الإفساد الفرعوني هنا مبني على قواعد خمس مهما اختلفت دركاتها : العلو في الأرض ـ جعل أهلها شيعا ـ استضعاف طائفة منهم ـ تذبيح الأبناء ـ استحياء النساء ، مهما كانت الأربعة الأخيرة من خلفيات الأولى.
إن العلو في الأرض وجعل أهلها شيعا ، واستضعاف الشعوب ، هي من شيمة الطغاة الشنيعة على مدار الزمن ، فلما ذا بعد تذبيح الأبناء واستحياء النساء : إبقاءهن أحياء للخدمة ، وإزالة حياءهن؟
لا بد وأن تكون هناك خوفة هارعة من الأبناء الاسرائيليين في ذلك التصميم العميم لإبادتهم ، استبقاء للسلطة الفرعونية وكما يروى عن رسول الهدى (صلّى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الكرام عليهم السلام : «.. فان فرعون لما وقف على ان زوال ملكه على يده (موسى) امر بإحضار الكهنة فدلوه على نسبه وانه يكون من بني إسرائيل ولم يزل يأمر أصحابه بشق بطون الحوامل من نساء بني إسرائيل حتى قتل في طلبه نيفا وعشرين ألف مولود