وقد يروى عن رسول الهدى (صلّى الله عليه وآله وسلم) مخاطبا إياهم عليهم السلام : أنتم المستضعفون بعدي ...» (١). وذلك الاستضعاف الذي يقتضي الرحمة الخاصة الإلهية بمنح الإمامة ووراثة الأرض ليس استضعافا روحيا عقائديا ، وإنما هو الضغط عليهم في تحقيق الشرعة الإلهية كيلا تتحقق كما تحق ، فلا تقصير منهم في هذا المجال ، فحياتهم الإيمانية هي حياة التقية حتى يأتي الفرج من الله بما قدموا من ظروفه المواتية له.
وهكذا يعلن ربنا في هذه الإذاعة القرآنية أن حياة الفرعنة الطاغية لا تدوم ، إعلانا صارخا بواقع الحال وما هو مقدر في المآل عاجلا أم آجلا ، أن تقف القوتان وجها لوجه ، فقوة الله هي التي تتهاوى دونها كل القوى فانه شديد القوى.
وترى (الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ) هنا هم كل المستضعفين في التاريخ الرسالي؟ ومنهم مقصرون ظالمون موعودون بالنار : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً) (٤ : ٩٧).
ومنهم قاصرون (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا
__________________
(١) المصدر في كتاب معاني الأخبار باسناده الى محمد بن سنان عن مفضل بن عمر قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : ان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) نظر إلى علي والحسن والحسين عليهم السلام فبكى وقال : أنتم المستضعفون بعدي ـ قال المفضل : فقلت له : ما معنى ذلك يا ابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال : معناه انكم الأئمة بعدي ان الله عز وجل يقول : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ ...) فهذه الآية جارية فينا إلى يوم القيامة.