الشجرة ولفظ الكلام ، و (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) كان معنى مجردا أجرد عن كل حجاب إلّا حجاب الذات ، وذلك حين لم يكن بينه وبين الله أحد في مقام «دنى» أم ولا نفسه فضلا عن سواه من سائر الحجب في مقام «أو أدنى» حيث (دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى. فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى. ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) رؤية معرفية ـ في قمتها ـ الله ، ورؤية الوحي القمة!
لقد تلقى موسى بازغ الوحي بملء كيانه ، ووقف في أكرم موقف يلقاه إنسان حيث أصبح موسى الأجير الراعي للأغنام ، الرسول الراعي للأنام!
هنا (نُودِيَ .. إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) وفي طه «نودي إني أنا ربك» وفي النمل (نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(٩) مع العلم انه لم يكن النداء إلّا بصيغة واحدة علّها هي أولاها فانها أشملها حيث تعني شامل الربوبية له ولسائر العالمين.
ثم «اني» تعني الله المتكلم من إذاعة الشجرة دون الشجرة نفسها وكما يسمع من مسجلة الصوت الآية (إِنِّي أَنَا اللهُ) وليست المسجلة هي القائلة بل هي وسيط إذاعة الصوت أيا كان ، فالشجرة كانت ـ إذن ـ مذياع النداء ، وكما رسول الوحي إلى الرسل ينقل (إِنِّي أَنَا اللهُ) ثم الرسل ينقلونها لأممهم (إِنِّي أَنَا اللهُ) ، فلا أن الله حلّ في الشجرة وسبحانه ، ولا أنها حلّت إلى مرقى الربوبية ، وإنما الله هو الذي تكلّم بحجاب الشجرة كما يتكلم بسائر الحجب.
لقد أتاه بازغ الوحي مصحوبا بآية الرسالة الربانية ، مطمئنة إياه في عقبات الدعوة الشاقة :