مزوّدان بسلطان لا يقف له أي سلطان ، من أيّ كان وأيان ، سياج صارم لا قبل لهم به.
(فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً وَما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ) ٣٦.
(جاءَهُمْ مُوسى) ومعه هارون «بآياتنا» التسع حالكونها «بينات» لا خفاء فيها ولا ريبة تعتريها «قالوا» فرعون وملأه «ما هذا» الذي جاء به موسى (إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً) على الله (وَما سَمِعْنا بِهذا) الذي يقوله (فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ).
وكيف ما سمعوا بهذا في آباءهم الأولين ، فالموحدون منهم أسمعوهم التوحيد والوحي مصدقين ، والمشركون كذلك مهما كانوا مكذبين؟.
وكيف (ما هذا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً) به على الله انه آية؟ (أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ) (٥٢ : ١٥) (أَسِحْرٌ هذا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ) (١٠ : ٧٧) فأتوا بسحر مثله إن كنتم صادقين ، أنتم وآباءكم الأوّلون.
وإنها قولة لعينة لئيمة مكرورة على طول الخط ضد الرسالات الربانية ، فنفس الصيغة نجدها من المشركين زمن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) كأنهم تواصوا بها في سلسلتهم النكيدة المكيدة!
(وَقالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) ٣٧.
رد مهذب مبرهن مؤدب ، وكأنه لا يحمل برهانا عليهم وهو يحمل اتقن برهان (رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ) وهي كحجة مرسلي المسيح (عليه السلام ، (قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ) (٣٦ : ١٦) فالتربية الربانية الرسالية باهرة فيّ أعمالا وأقوالا وأحوالا ، وفيما معي من