آيات بينات ، و «اعلم» ب (مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ) وهي الحياة العاقبة حيث تعقب حياة العرقلة الكافرة (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) لهم ـ فقط ـ دون الطاغين ، ل (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) بل يفلجون مهما ارعدوا وعربدوا لردح من الزمن طال أم قصر. وقد تعني الدار هنا الدار الدنيا إلى جنب الآخرة حيث تشملهما لفظة الدار : (قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (٣ : ١٢٨) ـ (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً) (٢٨ : ٨٣).
فالحال الحاضرة لنا بكل حجة باهرة تضمن لنا البقاء دونكم ، ثم لنا ـ لا لكم ـ عاقبة الدار ، فلو كنا مفترين على الله كذبا فلن نفلح إذا ابدا ، ونحن المفلحون في العاقبة الآجلة كما نحن في العاجلة بما معنا من سلطان مبين.
وما كان رد فرعون على هذه الحجة الأديبة العجيبة إلّا كلمة مكرورة رديئة :
(وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ) ٣٨.
هذه قالة الفرعنة اللعينة المهينة (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) كأنه يحيط علما بكل شيء فإذ لا يعلم إلها غيره فلا إله ـ إذن ـ غيره ، يقولها فرعون قاهرا دون ان يسمح لمخّ أن يفكر ، ولا للسان أن يعبر إلّا سمعا وطاعة ، وتشبهها قالته الأخرى : (ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ) (٢٠ : ٢٩).