هامان خلال سنين! ثم السماء لا تخص محل الصرح لا طولا ولا عرضا ، حتى إذا لم يطلع إلى إله موسى من على صرحه فليس الإله ـ لو أنه في السماء ـ في سائر السماء!.
فمثله كمثل الذي ينكر وجود الذهب في الكون كله ، لأنه لم يجدها عنده أو في الأفق الذي يعيشه! وما أحمق هؤلاء الذين سمعوا قالته هذه الحمقاء ولم يردوا عليه! وأحمق منها قالته الأخرى : (يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ. أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً ..) (٤٠ : ٣٧)(١).
وكيف بالإمكان بلوغ أسباب السماوات بالصعود على صرح ، ولو كان هو الإله فكيف يترجى ذلك البلوغ وما هو ببالغ؟
و «إله موسى» هنا وهناك ـ وعلّهما واحد مذكور بصيغتين ـ إنه تعريض عليه لو أن هناك إلها غيري فليس إلّا إله موسى وليس إلهي وإلهكم! لقد تقولها الطاغية في بداية المواجهة ، كما تقوّل اخرى في النهاية (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) وبين الكلمتين أربعون سنة (٢).
(وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ) ٣٩.
ولما يبلغ الاستكبار إلى هذا العمق من الحمق ، أن لا إله إلا أنا ، ظنا
__________________
(١) هناك في تفسير آية المؤمن بحث فصل عن اسباب السماوات فليراجع.
(٢) الدر المنثور ٥ : ١٢٩ ـ اخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) كلمتان قالهما فرعون ... كان بينهما أربعون عاما فأخذه الله نكال الآخرة والأولى.