أو نجالسهم إذا هم مصرون على الجهالة (١).
ويا له من ادب بارع يقابلون به السوء الهارع ، إذ هم يحتاجون إلى مزيد من صامد الايمان ، فلا يهتاجون أمام اللغو من قولة للإيمان ، وإنما هو الترفع والسماحة وحب الخير حتى للمسيئين ، مهما اقتضى الخير استئصالهم إذا كانوا مفسدين.
(إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) ٥٦.
إن رسول الهدى كان يحب ان يهدي الضالين كلهم أو جلّهم فيضيق صدرا بما يرى من صمودهم على الضلال قلقا ، ويحاول ليل نهار ان يحصل على عدد أكثر ممن يهتدي إلى الله ، فنزلت هذه واضرابها مسلية خاطره القلق (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ) ـ (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ) .. و (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) هداه (وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) هدى التوفيق إلى صراط مستقيم بدلالتك الرسالية الوافية ، فلا بد لواقع الهدى من ضم الهديين ، هدي منك تدليلا إلى شرعتك ، وهدي من الله توفيقا لتقبلها والإقبال إليها ، وليس
__________________
(١) روى محمد بن إسحاق في السيرة «ثم قدم على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو بمكة عشرون رجلا أو قريبا من ذلك من النصارى حين بلغهم خبره من الحبشة فوجدوه في المسجد فجلسوا إليه وكلموه وسألوه ورجال من قريش في أنديتهم حول الكعبة فلما فرغوا من مساءلة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عما أرادوا دعاهم إلى الله تعالى وتلا عليهم القرآن فلما سمعوا القرآن فاضت أعينهم من الدمع ثم استجابوا لله وآمنوا به وصدقوه وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من امره فلما قاموا عنه اعترضهم ابو جهل بن هشام في نفر من قريش فقالوا لهم خيبكم الله من ركب! بعثكم من وراءكم من اهل دينكم ترتادون لهم لتأتوهم بخبر الرجل فلم تطمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم وصدقتموه فيما قال؟ ما نعلم ركبا أحمق منكم! فقالوا لهم : سلام عليكم لا نجاهلكم لنا ما نحن عليه ولكم ما أنتم عليهم لما نأل أنفسنا خيرا».