ألجمه «مجنون» هناك وهنا في شيئه المبين «ساحر» وقد أتم وأطم آية الثعبان واليد البيضاء ، محسوسة ملموسة ، إلى الآيات الفطرية والعقلية ، فالطاغي الذي يتنازل عن عقله وفطرته فلا تفيده البراهين ، ينقّل إلى آيات محسوسة يصدقها حتى المجانين ، ولكن هذه الطاغية ليس ليسكت عن غوغائيات التهم الجارفة ، الهارفة الخارفة :
(يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَما ذا تَأْمُرُونَ)(٣٥).
فلأنه يرى تثاقلهم إلى أرضهم ، وان هذه السلطة هي بغيتهم الآصلة الحاصلة ، يهددهم بإخراجهم من أرضهم لو اتبعوا هذا الساحر العليم ، وفي ذلك استلاب السلطة الروحية : (وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى) (٢٠ : ٦٣) والزمنية المزيجة بها ، وهذه غاية الشيطنة في الفرعنة.
وقد يبدو من هذه القولة عظمة الآية مهما سماها سحرا حيث يصف صاحبها بانه عليم ، ليس كسائر السحرة ، ويبدو خوفه من تأثر من حوله فيهدّدهم بإخراجهم من أرضهم ، ويبدو تضعضعه وتهاويه أمام هذا الساحر العليم! فيستمد ممن حوله متواضعا متسكعا ـ وقد ادعى انه ربهم الأعلى ـ فيطلب أمرهم ورأيهم في ذلك المأزق الخطير (فَما ذا تَأْمُرُونَ)! ومتى تراه كان يطلب أمرهم وهم له يسجدون؟.
انها شنشنة الطغاة بعد طنطنتهم حين تزل اقدامهم وتضل أحلامهم وتكل افهامهم ، فيلينون في القول بعد الخشونة ، ويتواضعون لأمرهم ورأيهم بكل مرونة بعد العرونة ، ويا له كيدا ما أشطنه في ثالوثه المنحوس : (إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ) حيث استفاد هذه التهمة من السحر ، فقد يجوز ان ينتهي بسحره إلى ذلك الحد القمة (يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ) وارض الوطن بهذه السلطة القوية المرموقة محبوبة لأهلها كأنفسهم (فَما ذا تَأْمُرُونَ)