كلام مرن يحرّك العواطف الدفينة ويغطي على الضغائن الكامنة ، ويستحث الحاشية الملكية على إمعان التفكير لتخليص الملك وإياهم عن ذلك المأزق العميق ، فكانت النتيجة ان :
(قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (٣٦) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ)(٣٧).
هنا يشير عليه ملأه آمرين كما تطلّب منهم ، وهم شركائه في فرعنته وصرح سلطته ، وأصحاب المصلحة في بقاء كيانه (قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ) إمهالا إلى أجل دون عجل ، فإن هامة أمره الإمر تقتضي تروّيا ومحاولة جماعية : (وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ) المصرية أم وسواها «حاشرين» : جامعين (يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ) دون سقاطهم ، بل اصطفاء للرعيل الأعلى منهم لإقامة تلك المباراة الساحرة القاضية على هذا السحر العظيم.
لقد كان يعلم فرعون أن له ساحرين ، ولكنه اختلط عقله ، مغلوبا عليه من دهشة الموقف القاهر ، ام لم يكن يرى فائدة وعائدة من جمع السحرة لمعالجة الموقف فاستأمر حاشيته فرأوا رأيهم هذا تأجيلا للفضيحة ، وتغطية عاجلة على الموقف الحاسم.
(فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ)(٣٨).
وهو (يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى) (٢٠ : ٥٩) كما قرره موسى بما تطلب منه فرعون : (فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً)(٥٨).
(وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (٣٩) لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ)(٤٠).
هنا استعطاف ماكر للناس حيث لا يؤمرون ، وانما يستأمرون : (هَلْ