سبيل الايمان عراقيل وعقبات.
فحتى إذا تخطّفوا من أرضهم ، فهل ان عرضهم المتخطّف أولى بالصيانة أم أرضهم ، وقضية الإيمان الصادق اليقين ان يضحي المؤمن للحفاظ عليه بكل ما لديه فضلا عما وعدهم الله من النصر مهما كان سبيله شائكا (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ).
ثم البقاء على أرض الوطن لا يضمن الأمن حين تكون الحياة متخلفة عن شرعة الله والمعيشة بطرة :
(وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ) ٥٨.
وذلك نقض ثان وحجة ثالثة تدحض عاذرتهم (وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ) مجتمع كافر غادر (بَطِرَتْ مَعِيشَتَها) فالنعمة المعيشة حين تحوّل إلى النعمة فهي بطرة ملهية ، فالبطر دهش يعتري الإنسان من سوء احتمال النعمة وقلة القيام بحقها وصرفها الى غير وجهها ، فبطر المعيشة هو جعلها مبطرة ملهية في غير ما حقّ «والدهر يومان يوم لك ويوم عليك فإذا كان لك فلا تبطر وإذا كان عليك فاصبر فبكلاهما ستختبر».
وقد تكون «بطرت» من كلا البطر : الشق ، والبطر : تجاوز الحد في المرح ، فعلها لذلك تعدت بنفسها إلى مفعولها ، فقد شقت معيشتها إلى غير عيشتها فبدلت نعمة الله كفرا ، وتجاوزت الحد في المرح والتغنج في النعمة فأصبحت نعمة ونقمة.
«فتلك» البعيد الرذيل العزيل «مساكنهم» البطرة العطرة العالية الغالية (لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ) إذ هلكت عن سكناها «إلّا قليلا» وقد يعم الاستثناء هنا مثلثا من المستثنى منه أن «أهلكنا .. إلا قليلا ـ لم تسكن إلا قليلا منها ـ